يستحوذ الايقاع العربي والنغمة الشرقية على الاجساد في بلاد اوروبا الشرقية بل في دول العالم كله، حتى اضحى الرقص الشرقي مشروعا استثماريا يفوق دخله المشروعات الصناعية الكبرى، بل اصبح دخل الراقصة التي تجيد أداءه يفوق دخل نجوم كرة القدم، وقد استغل الاذكياء من المستثمرين هذا الولع العالمي بالرقص الشرقي، وافتتحوا العديد من المدارس واستقطبوا عددا من اعلام الرقص السابقين في بعض الدول العربية ليكونوا اساتذة لهذا الفن.
واذا كانت لغة البلاد في اوروبا الشرقية صباحا وحتى الخامسة مساء بين الرومانية والسلافية والايطالية والالمانية والفرنسية فان الليل هنا لسانه فقط عربي تتحدث به أجسام الراقصات، واشهر مفرداته (حبيبي يانور العين - اجمل احساس في الكون - وسيرة الحب - وانت عمري) وغيرها من الاغاني القديمة والحديثة لنجوم الغناء العربي من مختلف الاقطار العربية.
وعندما تشاهد نجمات الرقص الشرقي في ليالي اوروبا الشرقية تعتقد ان الزمن عاد الى الوراء وعاد بنا الى زمن سهير زكي، وتحية كاريوكا وسامية جمال، ولو مع فارق بسيط هو ان الاسماء هنا غربية وهي ماريانا ولودميلا وميهائيلا ووانا وكاتيا.
وكأن كل فتيات أوروبا الشرقية بل العالم استمعن الى نصيحة الفنان عادل إمام التي أسداها لحاجب المحكمة في مسرحية «شاهد ما شفش حاجة» عندما قال له: «اتكل على الله واشتغل رقاصة».
والرقص قديم قدم الانسان نفسه حيث استطاع عبره تأمين حاجياته من مأكل ومأوى ووجد فيه المتعة والمتنفس لانفعالاته، والمعبر عن فهمه المتواضع لحالة ما، او حدث وقع له، انه المتعة الاولى التي يمارسها عمليا بوعي قاصر تطور مع مرور الزمن بتطور وسائله، واصبح بادواته الجديدة اكثر تعبيرا واكثر فاعلية في حياة الشعوب حتى وقتنا هذا، واذا كانت الطبيعة حوله تتحرك وتحرك معها الماء والرياح والاشجار والاعاصير والبروق وتضرم النيران وتخيف الحيوانات والانسان، إلا انها في النهاية مجرد حركات ايقاعية، فكان من الطبيعي ان يبتكر الانسان حركته الايقاعية لتعبر عن شعوره، لقد رقص تعبيرا عن الفرح وتعبيرا عن الطقوس، تحدث مع جماعته بالرقص ومع الحيوانات على مختلف انواعها بالرقص، ومع الهته بالرقص وصلى لها بالرقص وشكرها بالرقص.
وعندما نعود بذاكرة التاريخ الى الماضي البعيد وبالتحديد قبل الميلاد بألف عام، حيث كانت تسود وقتئذ عقائد وثنية متعددة في وادي النيل وبلاد الرافدين، وبدا من نقوش قدماء المصريين، ونقوش الاشوريين على جدران معابدهم، ان نوعا من الرقص كان يمارس ضمن الشعائر الدينية يشبه الى حد بعيد الرقص الشرقي في عصرنا هذا.
حيث كان الناس حينذاك يتقدمون الى الالهة بافضل ما لديهم للتقرب والتكفير عن الخطايا، وكانت الالهة في طبيعتها رموزا لمواطن القوة والغنى والنماء في الطبيعة المحيطة بالانسان، وكانت هذه الالهة تختص في معتقد اتباعها بعناصر الخصوبة والنماء وحيث كانت وظيفة الخصوبة ترتبط رمزيا بالانثى، فقد بدا من الطبيعي تقديم فتاة عذراء لتصير في خدمة الالهة للتقرب اليها. كانت تقدم نوعا من الرقص في المناسبات والاعياد والشعائر الخاصة كطقس من طقوس العبادة والتقرب، وكان هذا النوع من الرقص يبرز الجزء الادنى من البطن او «الرحم» باعتباره مصدر الخصوبة التي تمنحها الالهة وهذه الصورة ظلت تقليدية لعدة عقود، وهي صورة الراقصة الآن التي تستأجر في حفلات الاعراس، وما تقوم به من حركات تشبه - حين نعود بذاكرتنا - رقص كاهنات عشتار وحتحور
وانتقل الرقص الشرقي بعد انكماش رقعة الوثنية في المشرق من طقوس المعابد، الى حانات اللهو وصار طقسا من طقوس المتعة التي تقدم للرائح والغادي.
ولعل أشهر من قدم الرقص هم الغجر الذين سرت هجراتهم عبر القرون الوسطى من الهند وفارس عابرة الشام ووادي النيل الى جنوب اوروبا وشمال افريقيا والاندلس القديمة، وهم اقوام يستمسكون بعادات وتقاليد خاصة لا يميزهم دين ولا تجمعهم امة، درجوا عبر الازمنة على التجارة، واحترف كثير من نسائهم الرقص وتقديم المتعة للجنود والتجار والمرتحلين، وسمين في مصر «الغوازي».
ثم عرفوا في القرون المتأخرة تحت مسمى «عالمه» وكانت تتميز عن «الغزية» او الغجرية بأن لها علما بالموسيقى والالحان والعزف على العود.
وفي الثمانينات من القرن التاسع عشر ظهر الرقص الشرقي في اوروبا لاول مرة وبدأ يشتهر باسم «رقص سالومي» وقد اسهمت في الترويج له راقصة هولندية اسمها «ماتا هاري» إلا انها كانت فيما قبل راقصة عري واغراء، ظهر الرقص الشرقي لاول مرة في المهرجانات العالمية في التسعينات من القرن التاسع عشر، ولم تكن الراقصات على الصورة التي الفناها اليوم، انما كن يرتدين جلابيب طويلة مسبلة، لا يزيد عليها إلا قطعة من القماش او الحرير، مربوطة حول اعجازهن.
وادخلت هوليوود الرقص الشرقي في افلامها، في بداية القرن العشرين، ثم حذت السينما المصرية حذو هوليوود مدخلة الرقص في افلامها السينمائية أيضا.
وبعد ان بينت التجربة ان الرقص ينشط الذاكرة ويساعد الجسد في بناء عضلات متناسقة اضافة الى اسهامه في تعزيز الثقة بالنفس، قررت السويد ادراج الرقص مادة اجبارية في برامج المدارس الابتدائية والمتوسطة. وقالت الراقصة الرومانية ميهائيلا: منذ عدة سنوات ذهبت للعمل في احدى الدول العربية لصالح احد الفنادق وهناك تعرفت على صديقتي اليسا التي تعمل راقصة شرقية هناك ومنها تعلمت الرقص وحين انتهت مدة عقدي رجعت الى بوخارست وبدأت بممارسته كمهنة مربحة.
اما مواطنتها وانا فتقول: في بداية ربيع حياتي تعرفت الى جارنا الدكتور احمد الذي كان يدرس هنا وارتبطت معه بقصة حب، ورأيت لاول مرة الرقص الشرقي في احدى الحفلات الخاصة وكنت مدهوشة بالحركات الايقاعية للراقصة، ودأبت بعدها على تعلم الرقص حتى اتقنته. بعد مغادرة احمد نهائيا، الى بلده تنقلت في عدة اعمال الى ان وجدت ان الرقص الشرقي افضلها، وهي مهنة شريفة تحقق لي عائدا ماديا جيدا اضافة الى ممارسة هوايتي.
وتحدثت لود ميلا من مولدوفا عن نفسها وعلاقتها بهذه المهنة قائلة: انا اهوى الرقص منذ ان كان عمري تسع سنوات حيث انني كنت راقصة باليه وقد درست الباليه واحترفته ورغبة مني في التعرف على انواع اخرى من الرقص حاولت تعلم الرقص الشرقي واعجبت به لكونه يحافظ على قوة الجسد ورشاقته وأجدته من خلال مراقبتي لاشرطة الفيديو للراقصات.
وأضافت في الرقص الشرقي اجد حياتي واحس انوثتي واشعر اني انثى لها معجبون يصفقون لها ويبذلون المال من اجلها ويقدرون فنها.
اما كريستينا فتذكر بداياتها قائلة: بعدان تركت منزل اهلي النائي في احدى القرى، نزلت الى بوخارست بهدف الدراسة وحاولت الحصول على عمل، في البداية تنقلت بين الكثير من الاعمال الى ان دخلت الى هذا المكان لاعمل كنادلة، وما لبثت ان رأيت ان الراتب الذي احصل عليه في الشهر يمكن ان احصل عليه في ليلة واحدة، وحينها بدأت تعلم الرقص الشرقي ومازلت اتعلم من زميلاتي وان كانت المهنة رابحة والرقص الشرقي يحتاج الى جرأة اتمتع بها.
بينت انها لا توجد في رومانيا مدرسة لتعليم الرقص الشرقي وانما هناك دورات خاصة يتم من خلالها تعليم الرقص.
وترى الراقصة ماريانا ان مهنة الرقص كأي مهنة اخرى وتتميز عن المهن الاخرى بان واردها كبير بالنسبة للوقت والجهد المبذول ينوتتابع انها تعرفت الى الرقص الشرقي عن طريق زوجها الذي علمها وبدأت حياتها المهنية حين حدثت مشاكل مالية مع زوجها اضطر على اثرها الى الابتعاد عنها فترة من الزمن فذهبت الى اصدقائه طلبا للمعونة المالية فنصحوها ان تمتهن الرقص الشرقي خاصة ان بعضهم شاهد رقصها واعجب به بالاضافة الى ان لهم معارف يمكن ان يساعدوها.
وقالت الراقصة الهنغارية كاتا كهيل توجد الان في اوروبا الشرقية معاهد ودورات لتعليم الرقص الشرقي يتم التعليم على مراحل تبدأ بالرياضة الخفيفة وتنتقل الى الدراسة النظرية المبسطة ومن ثم يبدأ التمرين العملي الفعلي مدة الدورة تتراوح ما بين الـ3 أشهر الى ستة اشهر والكلفة تكون بحدود الـ100 دولار شهريا في الدورة الواحدة يتم تسجيل 8 - 12 منتسبة اغلبهم يتمكنون من الحصول على عقود خارجية للعمل في الملاهي العربية والاوروبية.
وانا ادير مدرسة للرقص الشرقي في بودابست ولدي اكثر من 12 راقصة اقوم بتدريبهن وقد دربت المئات على مدى السنين الماضية وعلمتهن الرقص الشرقي وطالباتي يعملن في هنغاريا وفي ارقى الملاهي وفي هنغاريا كما في كافة دول اوروبا اصبح الرقص الشرقي فقرة لا يمكن الاستغناء عنها في أي عرض على أي مستوى.
ودخل الراقصة الشهري يمكن ان يصل احيانا الى 2000 دولار بالشهر ويعتمد على كثير من الامور اما الدخل العادي فهو بحدود 600 دولار.
اتدرب يوميا ولمدة ساعة واحدة ولكن في البدايات كان التمرين يأخذ مني ساعات.
وتقبل النساء القبرصيات من مختلف المهن على الرقص الشرقي باعتباره فنا وهواية ورياضة تصقل الجسم، في حين تتخذ منه بعضهن مهنة يمارسنها في الليل بجانب عملهن في النهار.
وتقول سيلفيا حاجيجور صاحبة مدرسة للرقص الشرقي في نيقوسيا ان عدد الطالبات لديها يتجاوز الثمانين وتتراوح اعمارهن بين 8 اعوام و60 عاما، في حين يقدر العدد الاجمالي لمن يتعلمن الرقص في المدن القبرصية باكثر من الفين.
وان معظمهن يتعلمن الرقص كهواية ووسيلة للمحافظة علي الرشاقة، بينما يتعلمه عدد قليل منهن لاحترافه.
وتقول انا (30 عاما) التي تعمل نهارا في شركة للمحـــــــاماة انها احبــــــت الرقـــــــص الشرقــــي لما فيه من فن جــــــــميل وحـــــركات متناســــــقة تســـــــاعد علي اضافة الكثير من الرشاقة الى الجسم.
واضافت «لقد عشقت الرقص الشرقي وبدأت اتعلمه بعد ان شدتني الموسيقى الشرقية بشكل كبير، وبعد سنوات من الخبرة والتدرب، بدأت في ممارسته ليلا في بعض المطاعم خاصة التي تقدم المأكولات العربية» والتي اصبحت منتشرة في انحاء الجزيرة.
وتؤكد ان التحفظات التي ربما ترتبط بالرقص الشرقي في العالم العربي تغيب عن المجتمع القبرصي الأكثر انفتاحا على الغرب.
اما ماريا فتقول انها شغفت بالرقص الشرقي حين رأت احدى الراقصات تؤديه علي شاشة التلفزيون.
وتضيف ماريا التي تعمل مسؤولة في احدى شركات السياحة في قبرص انها تمارس الرقص الشرقي كهواية فقط ولا تنوي احترافه.
وتقول ان عددا المدارس التي تدرس الرقص الشرقي في هذا الشطر من الجزيرة قد جاوز الـ15 مدرسة اضافة الى صالات الرياضة التي تخصص دروسا لتعليم هذا الرقص ولكن كرياضة.
على انغام الموسيقى الحالمة، تنهمك مجموعة من الفتيات الصينيات في هز البطن وهن يتعلمن الرقص الشرقي في نادي «الماء» للرقص الشرقي الواقع بمدينة بكين.
وهذا النادي اقدم ناد مختص بالرقص الشرقي في بكين واعضاؤه الان اكثر من 500 من هاويات الرقص الشرقي، وقالت المدربة لي جينغ في النادي ان كثيرا من الفتيات الصينيات يرغبن في تعلم الرقص الشرقي وعلى ذلك سيقوم هذا النادي بتوسيع اعماله.
حب الصينيين للرقص العربي يعود الى زمان بعيد، ففي فترة اسرة تانغ الملكية قبل 1300 سنة، كانت قد شاعت رقصات وسط اسيا في بلاط الامبراطور وبين الفئات الاجتماعية العليا، وتماشيا مع انفتاح المجتمع الصيني وتحسن معيشة الشعب في الوقت الحاضر، اصبح الرقص الشرقي اسلوبا حديثا للراحة وتقوية الجسم واصبح شائعا بين النساء.
وقالت الفتاة فان (27 سنة) التي تعمل في مؤسسة اجنبية للاستثمار وقد اشتركت في التدريبات لمدة سنة: «ان هذا الرقص يتميز بجاذبية قوية، واريد ان اصبح انيقة اكثر من خلال التدريب على الرقص الشرقي».
تأسست اندية رياضية وجمعيات نسائية كثيرة للتدريب على الرقص الشرقي في عموم الصين، وهذا الرقص اصبح نافذة يتعرف منها الشباب الصينيون على الثقافة العربية، قالت تشو دان «في اللحظة الاولى التي شاهدت فيها هذا الرقص، طرأت في ذهني الفتيات العربيات الجميلات في الف ليلة وليلة انني احب الثقافة العربية على الدوام واعتبر تعلم الرقص الشرقي فرصة لتلمسها».
وتقول دبرا كوريك، وهي راقصة من الولايات المتحدة ان الرقص الشرقي يعد فرصة لاتقان اساليب الرقص وفرصة أيضا للمرأة لكي تبرز انوثتها كامرأة في عالم اصبحت فيه النساء تتشبه بالرجال لكي تدخل ميدان العمل.
وتقـــــول دبـــــــــرا انها تعــــــــيش في عالم الرقـــــص الشــــــــرقي منذ ربع قــــــــرن ولم تتعــــــب او تمل منه ابدا.